Photo by Cot_Thun-Flickr.com
نمشي سويا ببطء في شوارع الحي البوهيمي غير مكترثين بما يحمله لنا الطريق من مفاجآت...فسياره مسرعة من هنا أو قاطع طريق من هناك...لا نأبه.
نتحدث عن المطرب الأسطورة الذي احزننا خبر فراقه حياتنا المليئة ببشر يقدسونه.
يبدأ في دندنه لحن غابت عن ذهنه كلماته ومغنيه..."أتذكرين هذه الأغنيه؟" يسألني بأمل ... أفكر قليلا ثم أبدأ في الغناء...تبدأ عيناه في الاتساع وترتسم ابتسامة كبيرة على وجهه ...ليس لأن صوتي أخاذ..معاذ الله..لكنه كان فرحا برجوع احدى أغنياته المحببة إلى ذاكرته المليئة بالخطوط والألوان والصور.
غنينا معا وضحكنا عاليا كعادة كل قاطني هذه الشوارع القديمة ...لا نأبه.
وصلنا عند طرف التل المؤدي إلى الحي النصف ارستقراطي الذي كنت اسكن به مؤقتا ... تفصله عن الحي البوهيمي سلالم عالية مزينة بالجرافيتي المعبر عن صخب هذه المدينة.
سلالم سانتا تيريزا سلالم عتيقة...تحسب انها قد تأخذك للقمر من علوها و كثر خطاها..سلالم سانتا تيريزا تقف شامخه كجبل لا يتسلقه غير المهرة الغير مكترثين بالمخاطر...سلالم تقف ساخرة من متسلقيها. أعرف إنها شهدت حكايات كثيرة من شرطيين يطاردون سارقي الحي البوهيمي إلى سياح يلتقطون صورا تذكارية (وأنفاسا) إلى حكايات مثل تلك التي أسردها عليكم الآن.
نبدأ رحله الصعود ...فيقول لي مازحا "لقد اصبحت كهلا لا أقدر على صعود هذه السلالم يا صغيرتي." اضحك سرا ثم عاليا ...أسخر منه كعادتي لأنفي مقولته الساذجه ..فيسألني بـغزل محبب الي قلبي إذا كنت افضل الرجل الاكبر مني سنا...تتسع ابتسامتي أكثر وأستمر في الصعود.
حبيبي...لكلماتك أثر السحر على أذني..." ها نحن قد اقتربنا من الوصول الي كوكب زحل...هيا...أحسنت!"...أقول مشجعه...وصلنا...نفس عميييق.
المناخ يبدو مختلفا على قمة سلالم سانتا تيريزا والشوارع الملتوية المستمرة في الصعود لزحل تبدو اكثر هدوء إلى حد السكون التام ...الضوء الخافت يدفع كل أصوات التل لأن تكون خافته أيضًا. أشعر اننا في فيلم يشاهده شاب حالم ... يخفت صوته في هذا المشهد بالذات حتى يستمتع بجمال منظر المدينة من فوق التل... المنظر الذي تبرزه حركه الكاميرا الرشيقه ببراعة...أهو فعلا كذلك ام أن سحر كلماته قد بدأت أعراضه في الظهور علي؟ لا أدري . الأكثر دقه إنني لا آبه...فلحظة خلابة كتلك يجب الا تلوث بالتفكير المنطقي. ششش ...سكون.
"حدثيني بلغه الضاد يا أميرتي."...أبتسم اكثر وأمتلئ فخرا وزهوا غير مفهومان ثم أسأله إذا كان سيحدثني هو بلغته في المقابل...يوافق على قواعد لعبتنا ..."اتفقنا"
يبدأ حوارنا مثيرا للضحك في أوله ... "أتفهم شيئا مما أقوله لك؟" أسأله ضاحكة ...فيرد " لا شيء مطلقا"...أضحك بصوت أعلى..ويستمر الحوار...أفهم فقط نصف مايقوله لي. لغته تملؤها موسيقى تراقص قلبي وكلماته تباهي ألحان البوسانوفا التي أعشقها منذ زمن بعيد...يمر الوقت وننسي إنا نتحدث لغات مختلفة...يبدو إن برج بابل لم يكن قد شيد بعد.
أعرفه منذ مايقرب الربيعين ولكن لقاؤنا ليلتها نم عن سابق معرفة أقدم ...يبدو أن روحينا كانتا على وفاق وموده في ازمنة وعوالم سحيقة كانت تطفو فيها الأرواح لتتعارف على بعضها البعض لأسباب لا يفهمها عقلي...ولكني لا آبه.
"حبيبتي"...لم أكن ادري ان كل خلاياي قادرة على رقص السامبا بـهذا التزامن المدهش...كل ماسبق من عبارات غزل يبحر فيها هو ببراعة محترف داعب بها قلبي حتي دخل في طور التجلي كما يصفه دراويش الصوفية.
ذراع قلبي اليمنى ممتدة للسماء لتمسك باخر نجمه في كون واسع وذراعه اليسرى تشير إلى أرض المدينة الصاخبة تحت اقدامنا ...يدور...ثم يدور..ويدور ...وتدور معه نجوم سانتا تيريزا حتى يصبح واحد مع الكون ... تجلي.
نجوم سانتا تيريزا تفهمني فهي مثلي تدور في فلكه تحت تأثير الجاذبية اللا ارضيه ...حي! وحينها فقدت اللغه معناها و بلاغتها...لا جدوى من الكلام الآن..من يحتاج لكلمات؟ اخترعت اللغه حتى تتفاهم الأرواح المبتدئه التي لم تلتق أو كانت في عجلة من أمرها وقت اللقاء المحدد في العوالم السابقة....أما نحن يا عزيزي.. فمخضرمون.
"أميرتي"... في لحظات بدأت قدماي ان تعارضا كل قواعد الفيزياء واستعدا للطيران...من يأبه الآن بقواعد الفيزياء؟!
إحساس الطفو احساس مسلي للغايه فلم اعتد الطفو كشبح من قبل ... أستطيع الآن الدوران والسباحة في الهواء ...أسبح بعيدا عنه ثم أسبح على ظهري متجهه اليه...يا الهي...وسامته وملامحه وهي مقلوبة لا تقل عن وسامته مثلما أراه في الوضع الطبيعي...رحماك. أطفو بجانبه في سعاده طفل ...أتنهد عاليا.
اقتربنا من لحظة وداعنا ... ألا يمكن لهذه الكواكب السخيفة أن تكف عن دورانها للحظات؟ أغلق عيناي واخذ نفسا عميقا...أفتح اليمني...لا, لم يتوقف الزمن...شيء محزن. "لا أريدك أن ترحلي" ... "ولا أنا"..يعانقني ..أدخل كهفه الذي اكتشفته مؤخرا...حيث يختفي الزمن وتذوب الأرض و كل الذكريات... حيث اعود جنين لا اعي ولا أفهم...وكالعادة ...لا آبه.
كهفه هو سفينة نوح التي لن يستقلها أحد غيري...لذا أواجه طوفان كل يوم بغرور و إبتسامة ساخرة...أنظر إليه في عينيه واقول له بلهجتي المصرية "أعلى مافي خيلك اركبه!". أنا في أمان لن يعرفه مخلوق غيري ابدا.
نفيق من عناقنا وينظر الي ويقول لي كم هو سعيد... يحدق في تفاصيل وجهي وفي عيني وفي شعري كأنه يراني للمرة الأولى...يعانقني مرة اخري ولكن أكثر قوة...لن أهرب يا عشقي فهنا ملاذي.
انت طفلي ذو العينان السمراء اللامعتان ...ذو روح الفكاهة المصرية التي تخدع كثيرين...ذو الابتسامة التي أعلم يقينا إنها دفعت قلوبا كثيره عشقتها للجنون. يتأوه بصوت ليس بخافت ويقبل ادغال شعري . نرجع مرة اخري لبدنين كنا قد نسيناهما منذ ساعات في مكان مافوق تل سانتا تيريزا ... يمسكني قريبا من صدره و في المسافة الصغيرة التي تفصلنا عن الانصهار تحلق قبلة... تنتظر من يقتنصها أولا... نقف في صمت وقد اختفت المخلوقات والمنازل والحضارة المزعجه التي طالما شتتت غرامنا ...أحبك يا آدم... لكن دعنا لا نذهب إلى الشجرة المحرمة اليوم ...يوم اخر في الجنه معك هو كل ما أتمناه الآن. يعانقني لمرة ثالثه...حبيبي...أنا أيضًا لا اريد الذهاب ولكن هذه الكواكب اللعينة قد بدأت في الدوران مرة أخري ... أتأملك جيدا..التهم جميع تفاصيلك واقبض عليها بعيني ...أحبسها خلف جفوني وأتوسل لعقلي المسكين أن يحفظ هذا المشهد للقائنا القادم ...أستحضره كلما اشتقت اليك...الآن مثلا...وعيناي مغمضتان. مشهد ليل خارجي ...فقط أنا وانت فوق سلالم سانتا تيريزا حيث تعلمنا الطيران.
Epic
ReplyDeleteNermeen, this is so romantic and sweet. The pictures you draw and the metaphors you set are so easy to reach the heart like a ray of sunlight. I'm so happy with this piece, keep up the good work :)
ReplyDeletegood job.. beautiful
ReplyDeleteالنص حقيقي جدا
ReplyDeleteThis is amazing!!!! so much dance, music and love it made me twirl in your words! keep it coming!
ReplyDeleteRawane
You made my planets stop for a little while! Thank you for sharing those beautiful thoughts my sweet, magic moments like these keep the world turning:)
ReplyDeleteMuch love,
Nada